مئتين خمسة و ثمانون ليلة قضيتها هناك, تسعة أشهر و نصف و الاّن...
أعرف أن من دخل هناك ليس كمن لم يدخل و من دخل هناك بالتأكيد ليس كمن خرج بعد هذه الأيام!!
كانت أول ليلة غريبة.. كنت أتوقع خوفا.. كنت أتوقع ارهاقا لكن شعورى كان غريباً!!! كان شعورا بالغموض و عدم الفهم.. شعوراً بالضياع.. ربما كان هذا ما ساعدنى لأتقبل كل شىء بعد ذلك.
تعلمت الكثير هناك.. تعلمت و عرفت ما لم أعرفه عن نفسى و عن الناس.. عن الحياة و مفرداتها.. عن الصداقة و الحب.. عن النذالة و الغدر!!
رأيت من يحارب فى يأس ليصل الى الناس لكن بلا جدوى.. يفصله شخصية أنانية طماعة لا تحتمل التنازل أو العطاء
رأيت من يدخل قلبك بكل بساطة, ينساب اليك و يتغلغل فى أعماقك حتى تصيران واحدا.. علاقة أقوى و أعمق ربما من الأخوة!!
رأيت روحاً متمردة لا تقبل الخضوع أو الانصياع, يتمرد على كل شىء فان لم يجد شىء يتمرد عليه تمرد على التمرد ذاته من قبيل التغيير!!
رأيت رجالاً يلاقون الخطر و السجن من أجل مبدأ, كلمة , موقف أو مساندة صديق و رأيت من يهرب من الجولة الاولى أو حتى من قبل أن تبدأ
من يحترق رعبا و من ينام وسط الخطر و على وجهه ابتسامة هانئة لامبالية
سمعت أجمل قصائد الحب و أقسى قصائد الحزن و أكثرها مرارة و ألم
سمعت قصص عن مصر الحقيقية.. عن الحياة و الصعيد و الزرع و البساطة و المكر و القدر
هناك تعلمت.. تعلمت أن السعادة لا تكمن فى المكان بل فى الصحبة, تعلمت أن أكواب الشاى فى الصحراء مع أصدقاء بحق و بضعة أحاديث مختلسة, هذه الدقائق تعنى الكثير... الكثير جداً!!!
مثلما كانت أول ليلة غريبة كانت الأخيرة أغرب!
كان الطبيعى أن أكون أسعد الناس بالحرية
لكن قلبى كان حزينا مهموماً.. أتقلب فى فراشى تعاودنى الذكريات, وجوه جميلة طيبة و مخلصة تزاحم الفراغ الأسود حولى فأنفصل عن أصدقائى فى غنائهم مرحهم و أغرق فى ضباب قلبى
أنتبه على أحدهم ينشد خاتماً اليوم.. أغنية رقيقة حزينة الايقاع عن الوداع مطلعها:
"مش هقول كلمة وداع..... ع الحب كان أحلى اجتماع"
أستمع لصوت عذب أعرفه لأول مرة و أغرق فى الذكريات
و لا أدرى متى غبت عن الوعى فى تلك الليلة...الليلة الأخيرة